الدين و الدولة في الإسلام
منذ البداية تميز الإسلام بانه أكثر من دين ينظم العلاقة بين الإله كخالق و بين الإنسان كمخلوق كما تفعل معظم الأديان الأخرى ، فقد قام رسول الإسلام محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام منذ بداية نزول الوحي ( القرآن الكريم ) بتأسيس المسلمين بشكل جماعة برزت منذ أيام الإضطهاد المكي لتتطور إلى مجتمع و ما يشابه الدولة في المدينة المنورة . و هناك في المدينة تتابع نزول الوحي منظما علاقات الأفراد المسلمين ( مهاجرين و أنصار ) بين بعضهم ومع أفراد الأديان الأخرى ( اليهود في المدينة )، و كل هذا يجعل من الإسلام دينا جماعيا بامتياز حتى أن عباداته بمجملها تقوم على فكرة الجماعة و التضامن في المجتمع ، إضافة إلى تحديد علاقة الإنسان مع الخالق و الطبيعة ، مما يجعله دينا ذا جانبين : روحي ديني ، و اجتماعي سياسي
تفسير التاريخ الإسلامي
تختلف وجهات النظر التي تحاول شرح وتفسير التاريخ الإسلامي بكل تعقيداته و زخمه بالأحداث و الثورات و القلاقل ، حسب الخلفيات الإيديولوجية التي يتبناها المحللون و الأدوات التحليلية التي يستخدمونها .
في العصر الحديث بعد ما يسمى بعصر الصحوة كانت هناك توجهات واضحة من قبل المؤرخين المعروفين بالقوميين لتفسير التاريخ الإسلامي على أنه تاريخ عربي محض ، في ذات الحين نرى أيضا مؤرخين شيوعيّين يميلون لرؤية التجاذبات السياسية و العسكرية في مجمل التاريخ الإسلامي بوجهة نظر ماركسية تغلب العوامل الإقتصادية و الصراع الطبقي فوق كل اعتبار آخر ، أما المؤرخون العلمانيون فكانوا يحاولون جهدهم لمنع إدخال العامل الديني ضمن تفسير الأحداث و كانت جهودهم تتركز على إعادة استكشاف ما يدعى بالتاريخ الجاهلي باعتبار أن بذور النهضة العربية بدأت في ذلك العصر و ما الإسلام إلا بذرة التطور في الفكر العربي .
بين كل ذلك الإختلاف على تفسير الأحداث بقي المؤرخون ذوو التوجه الإسلامي يناضلون لإثبات تفرد الإسلام كدين أحدث ثورة اجتماعية و حضارية منحت العرب دولتهم و حضارتهم وهذه حقيقة لا جدال فيها و يؤكدون على تسامح الإسلام و وصول العديد من الأعراق الإسلامية الأخرى إلى سدة الحكم . كما يؤكد هؤلاء المؤرخون على أن بعثة النبي محمد بن عبد الله كانت نقطة فارقة أحدثت انقلابا في تاريخ المنطقة ككل بشكل خاص و العالم بشكل عام . لكن نقطة الضعف الأساسية أنهم يقدمون بعد ذلك توصيفا للأحداث بدون تفسيرها فبعض السنة تؤكد على عدم الخوض في تفاصيل الفتنة و الخلاف بين معاوية و علي باعتبار الإثنين من الصحابة و كلاهما مغفور لهما ، أما الفريق الآخر من أهل السنة و الجماعة فيؤكد خطأ معاوية في الخروج على علي و يثبتون أحقية علي بدلالة انتخابه و بيعته . على الطرف الآخر النقيض يقف الشيعة موقفهم المعروف من دعم علي و آل بيته في خلافة المؤمنين بتقرير رسول الله محمد بن عبد الله صلّى الله عليه وسلم ، جاعلين الخلافة شأنا شرعيا بخلاف نظرية السنة التي تجعل الخلافة أمرا سياسيا يتفق عليه المسلمون و ينعقد بالبيعة .
يتفرد الدكتور عبد العزيز الدوري بطرح تفسير مبكر للتاريخ الإسلامي يعتمد على عدة نظريات و يعتمد مزيج عدة عوامل في تفسير التاريخ الإسلامي ، و هذا المزج و تعدد العوامل المفسرة يمنح نموذجه التفسيري مرونة أكثر و قدرة تفسيرية أوسع .
يمكن تصنيف العوامل التي تلعب دورا رئيسيا حسب تفسير الدكتور الدوري إلى :
عوامل عقدية : تلعب فيها أمور الدين و العقائد دورا أساسيا،
عوامل ثقافية : فالثقافات و العادات المختلفة سواء الموجودة مسبقا عند العرب مما يدعى بالعادات القبلية و البدوية أو العادات التي صادفوها عند انتشارهم في الأقاليم المجاورة مثل الموروث الفارسي و الكسروي و الموروث الروماني و اليوناني،
عوامل حضارية فلسفية : تشكل مجموع العلوم و الفلسفات التي تلقاها المسلمون عند اختلاطهم بالشعوب الأخرى و هي أساسا : الفلسفات الهندية و الفارسية و اليونانية،
عوامل اقتصادية : فالمال و الثروة طالما كانت ذات دور رئيسي في الكثير من الحروب و النزاعات التي رسمت تاريخ الجنس البشري .
يعتمد الدكتور عابد الجابري تصنيفا مشابها في كتابه العقل السياسي العربي : حيث يقوم بدراسة التاريخ الإسلامي حسب محاور ثلاثة : ( العقيدة ، القبيلة ، الغنيمة ) كما يدخل أيضا المدخلات الغريبة من عادات حكم و تقاليد فارسية و يونانية رومانية